تعود اللبنانيون أنّ ما يرتفع سعره في لبنان لن ينخفض مجددا، وهذا الواقع عايشه الشعب اللبناني في كافة السلع وفي مختلف القطاعات والمجالات. قطاع العقارات هو أحد هذه القطاعات وهو يعتبر أحد أكثر القطاعات الحيوية نظرا لقدرته الكبيرة على جذب الاستثمارات الضخمة سواء الداخلية ام الخارجية. ولكن، ككل القطاعات في لبنان، يتأثر القطاع العقاري بالاوضاع المحيطة به، فوضع لبنان الأمني أو السياسي أصبح عامل طرد وليس جذب، بينما الوضع الاقليمي فحدث ولا حرج.
يتحدث كثيرون اليوم عن تغيرات يشهدها سوق العقارات في لبنان، آملين ان تنعكس هذه التغيرات انخفاضا في الاسعار وخصوصا اولئك الذين يخططون لشراء قطعة أرض صغيرة او شقة متوسطة المساحة. فهل صحيح أنّ أسعار العقارات تنخفض بشكل تدريجي ولكن يتم إخفاء هذا الانخفاض؟ وما هو واقع السوق العقاري اليوم في لبنان؟
مرونة في الاسعار لا انخفاض
سبّب الوضع الامني والسياسي اللبناني جرحا عميقا في الاقتصاد الوطني، وجاءت دعوات الدول العربية لرعاياها لعدم زيارة لبنان لتضيف الى الجرح جرحاً اضافيا، فابتعاد العرب يعني ضعف الاستثمارات حكما. هذه الجروح المتتالية سببت مرونة كبيرة في اسعار العقارات وليس انخفاضا. الكلام هنا للخبير الاقتصادي غازي وزنة الذي رأى في حديث لـ"النشرة" ان هذه المرونة اللافتة في أسعار العقارات المبنية وغير المبنية تأتي بسبب غياب المستثمرين العرب وتريث المستثمر اللبناني المغترب وضعف قدرات المستثمر اللبناني المقيم.
واضاف وزنة: "نشهد هذه الفترة تراجعا كبيرا للطلب على العقارات بمختلف انواعها المبنية وغير المبنية خارج وداخل بيروت"، ولفت إلى أنّ المزيد من المرونة في الاسعار أصبحت أمرا متوقعا خصوصا بظل ما يعيشه لبنان من ازمات سياسية وامنية تبدو طويلة الامد.
وأشار وزنة إلى أهمية دور المصرف المركزي في إعادة إطلاق عمليات الشراء وخصوصا شراء الشقق الصغيرة والمتوسطة عبر ضخ السيولة وتسهيل اعطاء القروض للفئة المتوسطة لتمكينها من شراء الشقق، كما كان يفعل بالماضي.
الانخفاض موجود وقد يزيد
من جهة اخرى، كانت للخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان نظرة مغايرة لواقع قطاع العقارات وحركة السوق والاسعار المتداولة، بحيث اعتبر أن تضرر قطاع العقارات في لبنان هو أمر طبيعي لأنّ هذا القطاع يشكل جزءا من الاقتصاد اللبناني الذي يعاني بأكمله نتيجة الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بلبنان والتي وضعت الاقتصاد اللبناني تحت ضغط كبير بحسب ما رأى بو سليمان في حديث لـ"النشرة".
وأشار أبو سليمان إلى أن القطاع العقاري اللبناني تأثر من ناحيتين، فهو تأثر اولا من ناحية المستثمرين والمشغلين اللبنانيين المغتربين والخليجيين، لافتا الى ان الخليجيين هم بحالة ترقب للاستثمارات، بينما المغتربون أصبحوا بحالة تقشف في استثماراتهم بسبب الوضع الامني والسياسي. واضاف: " ثانيا تأثر القطاع أيضا من ناحية المستثمرين الداخليين الذين ايضا هم بحالة ترقب لما ستؤول اليه الامور في لبنان والمحيط". ولفت إلى أن الطلب اليوم يأتي من مستثمرين داخليين على الشقق الصغيرة والمتوسطة اي بين 150 و200 مترا وذلك بفضل القروض التي ضخها مصرف لبنان.
أما فيما يتعلق بالاسعار وامكانية هبوطها فاعتبر أبو سليمان أنّ أسعار الشقق الكبيرة معرضة للانخفاض أكثر من أسعار الشقق الصغيرة والمتوسطة، دون أن يعني ذلك أنّ أسعار الأخيرة لن تنخفض مستقبلا. وقال: "من المتوقع بحال استمرت الامور على ما هي عليه أن تنخفض اسعار الشقق الكبيرة ما بين 10 و15 % وذلك لأنّ مالكها لن يقوى على المحافظة عليها وصيانتها لما يترتب على ذلك من مبالغ مالية كبيرة ما سيدفعها لتخفيض سعرها لزيادة فرص بيعها". وأضاف أبو سليمان: "أما بحال استمرت العجلة الاقتصادية بالتباطؤ وانخفض المدخول المالي للمستهلك، سيخف الطلب على الشقق الصغيرة والمتوسطة وسيصبح المواطن اللبناني بظل ما يمر به لبنان من أحداث وبظل السيناريوهات التي ترسم للمنطقة غير قادر على الاستثمار، وستصبح أولويته شراء الحاجات الضرورية فقط ما يعني أيضا انخفاض أسعار الشقق الصغيرة والمتوسطة".
هذه المرة سيكون لعدم الاستقرار الأمني والسياسي في لبنان نتيجة إيجابية تسعد المواطن اللبناني، لأنّ انخفاض أسعار العقارات المبنية وغير المبنية كان حلما للمواطن يظنه لن يتحقق. نأمل انخفاض الاسعار أكثر وهذا أمر طبيعي، إلا أننا نتمنى في نفس الوقت استقرار لبنان كي يتشجع اللبناني على الشراء.